الفشل كلمة قبيحة لايحب أحد أن يوصف بها ،لا الرجال ولا النساء ومجالات الفشل في حياة الفرد كثيرة فهنالك :
الفشل في الدراسة والفشل في الحياة العملية
والفشل في الحياة الزوجية
وهنالك الفشل السلوكي
والفشل في الأخلاق
وفي هذه المقالة تنبيهات حول أبرز علامات الفشل الأخلاقي
واخترت الحديث عن الأخلاق, لأن الأخلاق هي ركيزة النجاح في كل مجالات الحياة
وفي القرآن الكريم هناك أكثر من خمسة وعشرين موضعًا تتحدث وتحث على مكارم الأخلاق
فالأخلاق هي حجر الزاوية وقطب الرحى في دين الإسلام إذ جاءت صنو توحيد الله في بدايات تنزل الوحي على نبينا ﷺ
(يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ(2) وَرَبَّك َفَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) سورة المدثر
وقال ﷺ (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” (صححه الألباني في الصحيحة))
وقد امتدح الله نبيه ﷺ بقوله (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) سورة القلم
وقال الحبيب المصطفى ﷺ :” إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم” [رواه أحمد].
وقال ﷺ ( أكثر ما يدخل الناس الجنة، تقوى اللّه وحسن الخلق ) رواه الترمذي والحاكم
وقال ﷺ( إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً ) رواه أحمد والترمذي وابن حبان
ولذلك كان الفشل الأخلاقي من أكبر معاطب الحياة وأبرز أسباب التعاسة والشقاء .
وإليكم بعض أمارات الفشل الأخلاقي :
- العلامة الأولى: الاحتجاج والمجادلة والتبرير للفشل وسوء الخُلق بكلمة تافهة
(أنا طبعي هكذا )
هذه الكلمة هي من أهم مداخل الشيطان على العبد المسلم والمسلمة، يأتي الشيطان ويملي له و يقول: أنت طبعك هكذا،، أنت سريع الغضب ،، إذا غضبت لاتشعر بما تقول وتفعل،، أنت خلقت هكذا،،
فتصبح هذه الكلمة الشيطانية قناعة راسخة و الكثير يستسلم لها ولا يحاول أن يتغير …ويصر إصرارا على الباطل ويردد وحي الشيطان له” أنا طبعي هكذا” ، ” أنا تربيت على هذا ” ، ” هذه جبلّة وطبيعة فيَّ لا ولن تتغيَّر”!
ولكن الحقيقة خلاف ذلك فالله تعالى خلق الإنسان ووهبه من القدرات والإرادات مايجعله يتحكم في سلوكه وأخلاقه وتصرفاته في كل حال؛ سواء في شدة الغضب أو شدة الفرح
يقول النبي ﷺ (إنما الحلم بالتحلم ) ويقولﷺ (ومن يتصبر يصبره الله)
ويقول تعالى (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) سورة آل عمران
فعند غضبك يأمرك الله بثلاث
١/أن تكظم غيظك
٢/وأن تعفو عمن أغاظك
٣/وأن تحسن إليه ؛ أي تقابل إساءته إليك بالإحسان إليه
ويأمرك الله في آية أخرى برابعة أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وهمزة ،وحضوره عند غضبك
قال تعالى: ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ (98) سورة المؤمنون
يقول تعالى آمرا عباده بالحلم وترك الغضب: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (22)سورة النور
فالله جل جلاله خلق الإنسان وكلفه بما يطيق والله تعالى لايكلف نفسا إلا وسعها ولايكلف نفسا إلا ما آتاها فلو كان الحلم والصبر والتحمل للأذى متعذرا ومستحيلا ومخالفا للفطرة لما أمر الله عباده به
قال تعالى( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ 286) سورة البقرة
وقال تعالى ( وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ ۚ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62)سورة المؤمنون
وبناء على ما سبق فإن تصنع الغضب والهمجية والتصرف بسوء الأدب وقلة الحياء ليس مما فطر الله عليه البشر أو بعض البشر
كلا وألف ألف كلا إنها فكرة شيطانية ودعوة إبليسية اقتنع بها من قل علمه وضعف إيمانه واعتد بنفسه واتبع هواه بغير هدى من الله.
إن الغضب والتهور والانتقام للنفس مرض خطير فتاك وخلق سيء ولكن مهما كان تمكنه من الانسان فإنه بإذن الله ومعونته يستطيع أن يغيّره وأن يكتسبَ ما يُضادّه وأن يرقى إلى درجة الحلم والصبر وحسن الخلق بالتّمرين والتّدريب!
فلو أن أحدا قرِّر أن يُصبحَ سمحاً هيّناً ليّنا عفيف اللسان حلو المنطق عند غضبه فهو يستطيع أن يكون كذالك، ومصداقُ هذا ما جاءَ عن رسول الله ﷺ حينَ قال:( إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ ، وَالْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهْ ) رواه الطبراني من حديث أبي الدرداء يرفعه و صححه الألباني.
- العلامة الثانية : اليأس من مخالفة النفس والهوى
إن الاستسلام لتلك النفس الأمارة بالسوء ،وطاعتها في كل ما دعت إليه إذا لم يخالفها صاحبها ويعصها سوف تورده المهالك
فالنفس أمَّارة بالانتقام والانتصار والهمز واللمز والغيبة والنميمة واللدد في الخصومة فلابد من ترويض النفس حتى تنقاد
وإليكم هذا المثل
لو تأمّلنا أشدَّ وأشرسَ مخلوقاتِ الله (الأسد) لوجدناه معَ التّدريب والتّمرين ينصاعُ لمدرِّبِه ، ويستسلم لهُ استسلامَ الضّعيفِ الليِّن
عجبي !
ماذا حصل لذاكَ الأسد الذي جُبِلَ على الشدَّة والافتراس؟ لقد تخلّى عن طبعه ، وغيَّرَ من سلوكه حينَ مُرِّنَ ودُرِّبَ!
أفلا تنقاد نفسك وتتروض فتكف عن غيها وتثوب لرشدها
علَّقَ الإمام الغزاليّ-رحمه الله في كتابه إحياء علوم الدين ، ج3 ، ص55 ، تعليقاً في غاية النّباهة ، قال:
“لَوْ كَانَتِ الْأَخْلَاقُ لَا تَقْبَلُ التَّغْيِيرَ لَبَطَلَتِ الْوَصَايَا وَالْمَوَاعِظُ وَالتَّأْدِيبَاتُ وَلَمَا قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَسِّنُوا أَخْلَاقَكُمْ) وَكَيْفَ يُنْكَرُ هَذَا فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ وَتَغْيِيرُ خُلُقِ الْبَهِيمَةِ مُمْكِنٌ إِذْ يُنْقَلُ الْبَازِي مِنَ الِاسْتِيحَاشِ إلى الأنس والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك والتخلية وَالْفَرَسُ مِنَ الْجِمَاحِ إِلَى السَّلَاسَةِ وَالِانْقِيَادِ وَكُلُّ ذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِلْأَخْلَاقِ”!.
إذا تخاصمتَ مع أحدٍ و جاءك من يحاول أن يلين قلبك أو يردك لصوابك ويوضح لك غلطتك فلا تقل : أصلا أنا عصبي!
هكذا وضعت قدمك على طريق الفشل !
“فلا تركب جوادَ الطّبعِ ؛ فإنَّ جوادَ الطَّبعِ يسيرُ معَ ركبِ الشّيطان”!
(( عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ ﷺ: أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ “))
[متفق عليه ]
الألد: شديد الخصومة، الخصِم: مبالغة من المخاصمة.
إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان من أشدِّ النّاس ، و كان من أصلبهم فى الجاهليّة ولكنه بعدما أسلم تحول وتغير فكان من أكثرِ النّاس بُكاءاً فى الإسلام، رقَّ طبعُه لأنه استسلمَ للشّرع!
و هذا هو الفرق ما بين أهل الالتزام بالشرع والدين على الحقيقة ، وأهل الجهالة حتى و لو تزيوا بزي الالتزام وادعوه!
وهذه آفة نعانى منها كثيرًا … ، كثير منهم يركب جواد الطبع مع أن المفترض أن يكون أسيرًا فى يد الشريعة هي التى توجهه و تأمره و تنهاه!
إنَّ الله عز وجل أرسلَ رسوله ﷺ ليحملك على مكارمِ الأخلاق ، حتى و لو كانت خلافَ الطّبع . . .
كان النبي ﷺ يفتتح صلواته بهذا الدعاء : ” اللهم اهدني لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيء الأخلاق فإنه لا يصرف سيء الأخلاق إلا أنت” . (صحيح أبي داود ( 738 ) ).
فعلى الإنسان أن يسعى لإبقاء الطبع أو التطبع الحميد ، ويحاول جاهداً أن يتخلص من الطبع أو التطبع المذموم” وليجعل نُصبَ عينيه قولَهُ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}سورة الرعد
- العلامة الثالثة: تداول مفردات وألفاظ وجمل وعبارات الفشل الأخلاقي في الحياة اليومية سواء في الجد أو الهزل
يقول تعالى (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (53) سورة الإسراء
أخرج الإمام أحمد وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة، يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: ((هي في النار))،
قال: يا رسول الله، فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وأنها تصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: ((هي في الجنة)).
وفي الصحيحين عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن النبي ﷺقال: ((لَعْنُ المؤمن كقتله))؛ أي: في الإثم،
وروى مسلم في صحيحه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال ﷺ : ((لا يكون اللعَّانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة)).
و عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ((سِباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)). أخرجه البخاري
وأخرج البيهقي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:(أنه سئل عن قول الرجل للرجل: “يا فاسق”، “يا خبيث”، قال: “هن فواحش، فيهن تعزير، وليس فيهن حد”؛ (إرواء الغليل: رقم 2393).
ومن أقبح ألفاظ الفاشلين أخلاقيا ماحكاه الإمام النووي رحمه الله تعالى في كتابه “الأذكار” (ص 314):قال:”ومن الألفاظ المذمومة المستعملة في العادة، قول الشخص لمن يخاصمه: “يا حمار، يا تيس، يا كلب…. ونحو ذلك، فهذا قبيح من وجهين، الأول: أنه كذب و الثاني: أنه إيذاء”
و قال النخعي – رحمه الله تعالى -: “إذا قال الرجل للرجل: “يا حمار، يا خنزير”، قيل له يوم القيامة: أرأيتني خلقته حمارًا؟ أو أرأيتني خلقته خنزيرًا؟”.
وأخرج البزار عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي ﷺ قال: ((سَبَّاب المسلم كالمشرف على الهلكة”؛ (صحيح الجامع: 3586).
معناه: التعدي على المسلم بالشتم والأذى مثل المعرض نفسه للهلكة
وأخرج الإمام أحمد والبخاري في “الأدب” وابن حبان عن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: “قلت: يا نبي الله، الرجل يشتمني وهو دوني، أعلي من بأسٍ أن أنتصر منه؟ فقال النبي ﷺ:(المستبَّان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان) (صحيح الجامع:(6696)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبيﷺ قال: ((أتدرون من المفلس؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا؛ فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)).رواه مسلم
- العلامة الرابعة: ترك الصلاة
فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (45) سورة العنكبوت
ومن ترك الصلاة متوعد بالغواية، قال تعالى ( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) سورة مريم
وفي الختام عليكم بالدعاء فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم الهِدَاية إلى أحسن الأخلاق، فكان يقول:
((واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عنِّي سيِّئها، لا يصرف عنِّي سيِّئها إلا أنت)) رواه مسلم