قال الله تعالى في سورة مريم: (فأتَتْ به قومَها تحمله) أي مريم تحمل ابنها عيسى…(قالوا) أي بنو إسرائيل (يا مريم لقد جئت شيئا فريا (27) يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سَوء وما كانت أمك بغيا).
فهل مريم هي أخت هارون النبي أخي موسى عليهما السلام؟
و قد اعتبر فريق من النصارى، أن القرآن قد وقع في خلط واضطراب، عندما وصف مريم بأنها أخت هارون ، مع الفارق الزمني بين العصر الذي وجد فيه هارون النبي، والعصر الذي وجدت فيه مريم أم عيسى؛ فأهل التاريخ يتحدثون عن ألف ومئتي سنة بينهما، وربما كان الفاصل الزمني بينهما أكثر من ذلك
إن المتأمل في السياق القرآني الذي وردت فيه الآية، يجد ما يدل دلالة واضحة، على أن هذا الوصف الذي وُصِفت به مريم، لم يكن تسمية قرآنية، و إنما جاء وصفًا حكاه القرآن على لسان قوم مريم، وما خاطبوها ونادوها به عندما حملت بعيسى، مستنكرين ذلك الحمل، واتهموها في عرضها وشرفها وعفافها.
فهذه التسمية في حق مريم، إما إنها أطلقت في القرآن على سبيل الحقيقة، أو إنها أطلقت عليها على سبيل التشبيه. وحملها على سبيل الحقيقة أمر غير مستنكر؛ إذ ليس ثمة ما يمنع أن يكون لمريم أخ اسمه هارون؛ يؤيد هذا أن التسمية بـ (هارون) كانت شائعة ودارجة كثيرًا في بني إسرائيل، وأيضاً ليس في ذكر قصة ولادتها، ما يدل على أنه لم يكن لها أخ سواها. وعلى هذا، فالتعبير القرآني بـ: {يا أخت هارون} يمكن حمله على الحقيقة، فيكون لمريم أخ اسمه هارون، كان صالحاً في قومه، خاطبوها بالإضافة إليه، زيادة في التوبيخ، أي: ما كان لأخت مثله أن تفعل فعلتك.
وحمل هذه التسمية على التشبيه أمر وارد أيضاً وغير مستبعد، خصوصاً إذا علمنا أن التسمية بأسماء الآباء والأمهات تشريفاً بهم، شيء معروف، ولا سيما وهارون كان سيد قومه مهاباً عظيماً له شأن في بني إسرائيل.
أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن المغيرة بن شعبة قال:
لما قدمتُ نجرانَ سألوني . فقالوا: إنكم تقرؤونَ : (يَا أُخْتَ هَارُونَ)، وموسى قبلَ عيسى بكذا وكذا.
فلما قَدِمتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سألتُه عن ذلك . فقال (إنهم كانوا يُسمُّونَ بأنبيائِهم والصالحينَ قبلهم).
أي أن قوم مريم عليها السلام كانوا يُسمُّون بأسماء الأنبياء والصالحين ومنهم هارون (كما يسمى كثير من المسلمين باسم محمد صلى الله عليه وسلم). فهارون المذكور في الآية ليس هو هارون أخو موسى عليهما السلام، وإنما رجل من قوم مريم معروف بالصلاح. والله تعالى أعلم.