واعتبرت المرأة عند الرومان مساعدة للشيطان، ونفسها لا تقارن بنفس الرجل، فهي وضيعة لا تستحق الخلود في الآخرة.. وكان القانون الروماني يعطي للرجل السلطة المطلقة عليها، ، ثم انقلب القانون فجعلها مستقلة استقلالاً تاماً بدون ضابط، فأصبح الزنا معترفا به قانونا، وكانت مهنة الدعارة من أكثر المهن رواجاً حتى بين نساء العائلات العريقة، وبذلك كان التحرر في العهد الروماني مطابقاً للتحلل والفساد.
وكانت المجتمعات التي تدين بالمسيحية، تشكك في مجرد إنسانية المرأة، وفي امتلاكها لروح تؤهلها للخلود، و أهدرت كنيستهم شأن المرأة، واعتبرتها ممثلة للخطيئة.
و في المجتمعات اليهودية، سوِّيت المرأة بالخدم؛ لأنها دون مرتبة الرجل، و أجازت شريعتهم لأبيها الحق في بيعها وهي طفلة، لأنها موصومة بطابع الخطيئة البشرية الأولى، كما جاء في سفر التكوين، ولم تتحسن حالتها إلا كما تحسنت حالة مثيلتها في المجتمعات المسيحية، بوصفها عنواناً للإغواء ومتاعاً للذة والمتعة وكل متطلبات الرجل الحسية.
أما العرب، فقد كانوا رغم اتصافهم بالمروءة والشهامة التي تحتم عليهم حماية المرأة وتبويئها مكانة متميزة داخل الأسرة، إلا أن الكثير منهم لم يكن يرحب بميلاد الأنثى، وقد وثق القرآن الكريم طبيعة استقبالهم لها في قوله تعالى: ((وَ إِذَا بُشرَ أَحَدُهُمْ بِاْلأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسوَدّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سوء مَا بُشرَ بِهِ أَيمسكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسهُ فِي التراب أَلاَ سآء مَا يَحْكُمُونَ))، ويقول تعالى في آية أخرى مقرراً قساوة معاملة الأنثى: ((وَ إذَا الموءودَةُ سئِلَتْ بِأَىّ ذَنبٍ قُتِلَتْ)).. ورغم كثرة الحديث عن الحرية التي ملكتها المرأة الغربية في العصر الحديث إلا أنها لم تستطع بعد أن تأخذ كثيراً من حقوقها، وخاصة في ظل التشدق بحقوق الإنسان والمساواة وغيرها من الألفاظ التي تطبق معانيها بانتقائية، فنجدها مثلاً غير متساوية في الأجرة الوظيفية مع الرجل رغم قيامها بالعمل نفسه، كما تجسد المؤتمرات العالمية حول المرأة الحلقة الخاصة في مسلسل عولمة العلمانية، و إلغاء الخصوصيات، و اختراق النظام الأسري.
أنها تستغل في الدعاية لتسويق مختلف السلع والبضائع، ويستغل جسدها لتشييئه، أي جعله مجرد شيء للاستهلاك، وعرضه حسب قانون العرض والطلب نفسه، وغير ذلك من ألوان المهانة التي تتعرض لها المرأة، والتي تؤكد أن المرأة ما زالت تخضع لرغبات الرجل في عالم تسوده النزعة الذكورية المستغلة لجسد المرأة.
لم تجد المرأة نفسها وتحتل مكانتها الطبيعية وتتحرر تحرراً كاملاً بو صفها إنساناً مكتمل الأهلية والحقوق إلا في ظل الإسلام، حيث تحررت من شتى العبوديات إلا عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، و أصبحت مؤهلة أهلية تامة غير مقيدة إلا بما حرم الله عز وجل ورسوله، في جميع تصرفاتها و أحوالها الشخصية والاجتماعية و الاقتصادية والسياسية. بل إن المرأة في عهد الحضارة الإسلامية وعت أن القرآن الكريم يريد أن يجعل منها امرأة قادرة على تحمل الأمانة، فاستجابت لذلك وتكاملت مع أخيها الرجل في حمل أمانة الخلافة على الأرض بثقلها ومسؤولياتها، واستطاعت حماية حقوقها التي منحها الله عز وجل إياها، دون أن تفرط فيها أو تتنازل عنها أو تتساهل فيها، كما عملت على أداء واجباتها غير منقوصة تجاه ربها أولاً ثم تجاه نفسها و أسرتها ومجتمعها و أمتها، وعاشت في ظل كل هذا مكرمة ومعززة.
لكن هذه المكانة تسلل إليها الوهن والخلل حين ابتعد المسلمون عن منابع وجودهم، القرآن والسنة، فساء تصورهم للمرأة ولحقوقها وواجباتها، و ساء تبعاً لذلك سلوكهم في معاملتها، وتعدوا حدود الله في ذلك فظلموا أنفسهم وظلموها وخصوصاً في عصور التخلف، التي بعدت الأمة فيها –إلا من رحم ربك- عن هدي النبوة ووسطية الإسلام ومنهج السلف الذي يتميز باليسر و الاعتدال .
وفي خضم هذا الوضع المزري الذي بلغته، كثرت الدعوات التحررية وحاولت إخراجها من تخلفها ومعاناتها، إلا أن ابتعاد هذه الدعوات عن امتلاك رؤية نابعة من صميم حضارتها، و إ صرارها على ضرورة تقليد النموذج النسائي الغربي من أجل التحرر، أفرز وضعية ماسخة للمرأة، وأبعدها عن معالم الطريق الصحيح، الذي يجب اتباعه من أجل امتلاك ذاتها من جديد، والمساهمة في استعادة مبدأ الخيرية الذي اختصت به هذه الأمة، والعمل بجانب الرجل في تحقيقه على أرض الحقيقة والواقع: ((كُنتُمْ خَير أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِاْلمعَرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المنكر)).