تتكرر جرائم قتل الأصول بصورة مأساوية في العديد من المدن المغربية، ويحتل الإدمان على المخدرات والكحول الرتبة الأولى من حيث دوافعها، وغالبا ما تكون الأم هي الضحية استناداً إلى مجموعة من الإحصائيات.
وأعادت “المجزرة” التي ارتكبها شاب بمدينة تطوان، الخميس الماضي، في حق أمه و3 أفراد من أسرته هذه الظاهرة المشينة إلى الواجهة وأثارت معها النقاش من جديد حول الدوافع التي تقف وراء ارتكاب جرائم ضد الآباء أو الأبناء.
العوامل
أبطال هذه القصص “المشينة” شباب يستخدمون قوتهم في غير محلّها، ويتحدّون آباءهم وأمهاتهم بتعنيفهم لفظيا أو جسديا أو بتصفيتهم بدم بارد، عوض أن يكونوا عونا لهم في كبرهم، فمثل هذه السلوكيات لم تكن في مجتمعنا المحافظ، والذي منح للآباء والأمهات مكانة خاصة، وحتى الأبناء كانوا يكبرون في جو من التقدير والاحترام، وفي يومنا هذا غابت هذه القيم الأخلاقية وتحول الأبناء إلى عناصر متحكّمة في الأسرة وفي آراء آبائهم وأولياء أمورهم.
في منظور مجموعة من المتتبعين للشأن الاجتماعي، فإن هذه الجرائم المقترفة ضد الأصول تثير الغرابة، ولا يمكن للمرء أن يستسيغها، واتساع رقعتها تعود إلى عدة أسباب، منها النفسي والاجتماعي والديني والسياسي.
أولا: تغير العلاقات داخل الأسرة المغربية هو عامل مهم، أفضى إلى هذه الجرائم الوحشية، ففي السابق كانت الأسرة محمية من هذه الظواهر ومبنية على “الحشمة” والأخلاق ومراعاة مكانة أي شخص يكبرنا سناً، وفي يومنا هذا أصحبت مكانة الكبير والصغير واحدة، وغابت القيم الأخلاقية، وبالتالي الطفل أضحى يترعرع وسط كنف أسرة غير متوازنة ينعدم فيها الاحترام بين الأفراد.
ثانيا: تدمير منظومة القيم في مجتمعنا المغربي راجعة أيضا إلى طغيان وسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا، وتوغل التقنيات الحديثة من حواسيب وهواتف محمولة وأجهزة التلفاز في ثقافة الأطفال منذ الصغر، وغيّبت معها التواصل والحوار بين مكونات الأسرة وهو ما خلق لدى الطفل أو الشاب إحساسا بالضياع والقلق.
ثالثا: غياب الوازع الأخلاقي والديني أفضى إلى عقوق الوالدين وهي من الكبائر المحرمة شرعا، وتحول هذا العقوق وللأسف الشديد إلى جرائم بشعة تمارس ضد الآباء والأمهات.
الحلول
يجب على الحكومة المغربية أن تسارع الزمن للقضاء على هذه الظاهرة، فهي تتحمل مسؤولية اتّساع رقعة هذه الحوادث “المشينة”، وذلك بإعادة النظر في المنظومة التعليمية ببلادنا، لأنه وبحسب مجموعة من المتتبعين للشأن الاجتماعي، فقد تم إفراغ المقررات الدراسية من المواضيع التي كانت تشير إلى قضايا التسامح والأخلاق والمحبة بين أفراد الأسرة.
كما أنه من الضروري إعادة النظر في النظام التربوي ومراجعة مضامينه، بما يعيد الوعي بالواجب الديني والأخلاقي للإنسان تجاه والديه وأصوله، والعمل بجدية وفعالية لمحاربة الهشاشة والفقر والإدمان على المخدرات.
تذكير.. بر الوالدين
لقد أمر الإسلام ببر الوالدين وجعل برهما أحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام بعد الشهادتين، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم ) أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين ).
ولمن أراد الفلاح والسداد في الدنيا والآخرة ونيل أعلى الدرجات في الجنان – بإذن الله – فعليه بعد طاعة الله والامتثال لأوامره والوقوف عند حدوده ونواهيه، البر بالوالدين والإحسان إليهما.
ومن منبركم الإعلامي “مجلة لأجلكِ” نستحضر قول الله تعالى:
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾
23 سورة الإسراء.